الأطفال فاقدوا السند والحق في الأوراق المدنية
” لم تكن معركة الحصول على أوراق مدنية لهذا الطفل لكي يتمكن من الدراسة، بأسهل من مقاومة نظرة المجتمع له وأصابع القمز والهمز التي كان تترصده أين ما ذهب”
تقول السيدة م.د (41 عاما) وهي تحدثنا عن تجربتها مع محاولة إحصاء الطفل س.م المولود لابنتها خارج إطار الزواج.
تقول السيدة م.د: قبل الإحصاء البيومتري الحديث كانت الأمور أسهل خاصة في المناطق النائية, بالنسبة لهذا النوع من الحالات، حيث يمكن التعامل مع بعض السماسرة لإخراج أوراق ثبوتية للطفل ونسبته لجده من أمه أو أحد أفراد أسرتها، في ظروف تطبعها السرية بعيدا عن القضاء والمحاكم، أما في المدينة فكانت الأطفال الذين يجدون أن فسهم وقد ولدوا فاقدين للسند عرضة لنظرة المجتمع، وانطباعات القضاء التي تصم أمهاتهم بانتهاك حرمات الله، الأمر الذي قد يأجل حصولهم على الأوراق الثبوتية، وبالتالي تأخر ولوجهم للتعليم، هذا الترابط كان على الدولة أن تأخذه في الحسبان أنذاك فمنع طفل من حقه في الطبيعي في الأوراق المدنية والحق في التعليم، بغض النظر عن الجناية أو الجنحة التي انتهكتها أمه، يعتبر انهاكا صارخا وفجا لحقوقه الطبيعية، الأمر الذي قد يجعله عرضا للارتماء في أمور أخرى قد لا تحمد عقباها كالمخدارت والجريمة وأمور أخرى لا تعد ولا تحصى.
أنا مثلا لولا معرفتي بأحد العاملين بالحالة المدنية لما تسنى لي إحصاء هذا الطفل في الوقت المناسب، وهو ما قد لا يتوفر في حالات أخرى.
أعتقد أنه على الدولة أن توفر الإحصاء المدنية والأوراق المدنية لكل الأطفال المولودين حديثا بغض النظر عن ظروف ولادتهم”
عبد القادر محمد(39 عاما) أحد المؤطرين المعتمدين لدى منظمة terre des hommes المهتمة بحقوق الطفل يحدثنا عن تجربته في هذا الصدد قائلا: “لقد نظمت الدولة الموريتانية لجان خاصة في بعض المقاطعات لإحصاء هذا النوع من الحالات وبعض الأحيان تكون هذه اللجان سرية مراعاة لحساسية المجتمع تجاه هذا النوع من الحالات، وكمثال على عمل هذه اللجان في مقاطعة عرفات والتي كانت ضمن مجالي المستهدف، كان يطلب من الأم أو من لها زمام أمر تربية الطفل وتعطي كامل معلومات الطفل لهذه اللجنة، ثم تقوم اللجنة بعد الاستماع ومقارنة الوقائع بإحصاء الطفل وإعطائه إسما عائليا.
قديما كان يتم إحصاء الأطفال على اسم جد الأم أو أحد أفراد العائلة، لكن اليوم أصبحت هنالك أسماء عائلية مخصصة من طرف الدولة لهؤلاء الأطفال يخول للقاضي أن يختار للطفل منها.
أضيف هنا أن تأسيس هذه اللجان جاء نتيجة لكون القضاء في مرحلة معينة كان العائق الأكبر أمام تحقيق أمنية الأطفال فاقدي السند المتمثلة في حقهم الطبيعي في الحصول على أوراق ثبوتية، حيث كان القضاء في مثل هذه الحالات يقدم على اتهام الأم بـالزنا وانتهاك حرمات الله حيث تجد نفسها أما المادة 306 من القانون الموريتاني، وبالتالي كانت الأمهات في الغالب وبسبب الخوف تنتهجن طرق أخرى ملتوية.
لقد عملنا باعتبارنا ممثلين لمنظمة دولية، مع بعض الجمعيات العاملة في مجال حقوق الطفل على تنظيم لقاءات مع القضاء على مستوى المقاطعات من أجل تسهيل إجراءات إحصاء الأطفال فاقدي السند، بالإضافة إلى تدخلنا الدائم في هذا الصدد لتسريع حصول هؤلاء الأطفال على حق من بين أهم الحقوق التي يكفلها القانون، فكما تعلمون من لا يمتلك أوراق ثبوتية سيحرم بطبيعة الحال من الحق في التمدرس وهنا يكمن الخطر الحقيقي في منع الأطفال فاقدي السند من حقهم في الحصول على أوراق ثبوتية”
ويضيف عبد القادر: “إهمال هؤلاء الأطفال والتخلي عنهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية يؤدي إلى تعقيد مشكلتهم، ويحولهم إلى فئة حاقدة على المجتمع كارهة له، تعتبر المجتمع مسؤولا عن معاناتهم ومأساتهم، مما يسهل انحرافهم ويؤدي إلى انخراطهم في عالم الجريمة والمخدرات فيصبحون عوامل خراب للمجتمع ومعاول هدم لأركانه”
موضوع أطفال فاقدي السند من المواضيع ذات الطابع القانوني البحت، وفي هذا الصدد كان لابد من الرجوع إلى الرأي القانوني لتوضيح وجهة نظر القانون الموريتاني في هذه المسألة، وفي هذا الصدد قابلنا المحامي الحسين بلال والذي فصل في الموضوع قائلا:
“لقد نصت إتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحده في المادة السابعة منها على حق كل طفل في الجنسية وأن ينتمي إلى بلد معين.
كما نصت المادة الثامنة منها أيضا على حق كل طفل في هوية خاصة وسجل رسمي وأن هذا الحق يعتبر رسميا ولا يجوز لأي أحد حرمانهم منه أن وإذا ما حرموا من هذه الحقوق فإنه من واجب الحكومات مساعدتهم كي يستعيدوها بسرعة.
وهذا ما كرسه المشرع الموريتاني في المدونة العامة لحماية الطفل، حيث خصص الفصل الثالث من هذه المدونة للتكفل بالأطفال فاقدي السند.
وقد عرفت المادة 20 من هذه المدونة الأطفال فاقدي السند في عدة حالات من بينها:
أن يكون الطفل مولودا من أبوين غير معروفين.
ان يكون مولودا من أب غير معروف وأم معروفة تركته بمحض إرادتها.
وأن يكون يتيم الأبوين.
أما المادة 34 من المدونة فقد أسندت مهمة تقييد هؤلاء الأطفال لوكيل الجمهورية عند الاقتضاء حيث نصت على أن وكيل الجمهورية يقوم عند الاقتضاء بجميع الخطوات اللازمة لتقييد الطفل في سجل الحالة المدنية.
وهو ما عززته المادة 35 من نفس المدونة بقولها أن قاضي المقاطعة وبعد أن يتبين له أن ذوي الطفل غير معروفين يصدر حكما تمهيديا يشمل جميع البيانات الضرورية لتحديد هويته.
ونافلة القول أن الطفل المولود خارج إطار الزواج لوالدته أو من سيقوم بتسجيله في الحالة المدنية أن يختار له اسما لأبيه وله واسع النظر في اختيار اي اسم”
– محمد محمود محمد البشير
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.